سورة محمد - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


{إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (37)}
قوله تعالى: {إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} تقدم في {الأنعام}. {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} شرط وجوابه. {وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ} أي لا يأمركم بإخراج جميعها في الزكاة، بل أمر بإخراج البعض، قاله ابن عيينة وغيره.
وقيل: {لا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ} لنفسه أو لحاجة منه إليها، إنما يأمركم بالإنفاق في سبيله ليرجع ثوابه إليكم.
وقيل: {لا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ} إنما يسألكم أمواله، لأنه المالك لها وهو المنعم بإعطائها.
وقيل: ولا يسألكم محمد أموالكم أجرا على تبليغ الرسالة. نظيره {قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الفرقان: 57] الآية. {إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ} يلح عليكم، يقال: أحفى بالمسألة وألحف وألح بمعنى واحد. والحفي المستقصي في السؤال، وكذلك الإحفاء الاستقصاء في الكلام والمنازعة. ومنه أحفى شاربه أي استقصى في أخذه. {تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ} أي يخرج البخل أضغانكم. قال قتادة: قد علم الله أن في سؤال المال خروج الأضغان. وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن محيصن وحميد {وتخرج} بتاء مفتوحة وراء مضمومة. {أَضْغانَكُمْ} بالرفع لكونه الفاعل.
وروى الوليد عن يعقوب الحضرمي {ونخرج} بالنون. وأبو معمر عن عبد الوارث عن أبي عمرو {ويخرج} بالرفع في الجيم على القطع والاستئناف. والمشهور عنه {ويخرج} كسائر القراء، عطف على ما تقدم.


{ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (38)}
قوله تعالى: {ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ} أي هأنتم هؤلاء أيها المؤمنون تدعون {لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي في الجهاد وطريق الخير. {فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} أي على نفسه، أي يمنعها الأجر والثواب. {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ} أي إنه ليس بمحتاج إلى أموالكم. {وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ} إليها. {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} أي أطوع لله منكم. روى الترمذي عن أبى هريرة قال: تلا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ} قالوا: ومن يستبدل بنا؟ قال: فضرب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على منكب سلمان ثم قال: «هذا وقومه. هذا وقومه» قال: حديث غريب في إسناده مقال. وقد روى عبد الله بن جعفر بن نجيح والد علي بن المديني أيضا هذا الحديث عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال أناس من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا رسول الله، من هؤلاء الذين ذكر الله إن تولينا استبدلوا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال: وكان سلمان جنب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فضرب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخذ سلمان، قال: «هذا وأصحابه والذي نفسي بيده لو كان الايمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس».
وقال الحسن: هم العجم.
وقال عكرمة: هم فارس والروم. قال المحاسبي: فلا أحد بعد العرب من جميع أجناس الأعاجم أحسن دينا، ولا كانت العلماء منهم إلا الفرس.
وقيل: إنهم اليمن، وهم الأنصار، قاله شريح بن عبيد. وكذا قال ابن عباس: هم الأنصار. وعنه أنهم الملائكة. وعنه هم التابعون.
وقال مجاهد: إنهم من شاء من سائر الناس. {ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ} قال الطبري: أي في البخل بالإنفاق في سبيل الله. وحكي عن أبي موسى الأشعري أنه لما نزلت هذه الآية فرح بها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: «هي أحب إلي من الدنيا». والله أعلم.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11